كيف يؤثر الاضطراب ثنائي القطب على النوم ودورات النوم

يُعدّ النوم من أكثر الوظائف الحيوية تأثرًا بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب، بل يمكن اعتباره أحد المؤشرات المبكرة على دخول نوبة مزاجية جديدة. فالعلاقة بين المزاج والنوم علاقة ثنائية الاتجاه؛ إذ تؤثر اضطرابات المزاج في نمط النوم، وفي المقابل قد تؤدي اضطرابات النوم إلى تحفيز نوبات الهوس أو الاكتئاب. لهذا السبب، يُولي الأطباء اهتمامًا كبيرًا لتغيرات النوم عند متابعة مرضى الاضطراب ثنائي القطب.

العلاقة بين النوم وتنظيم المزاج

يعتمد استقرار المزاج على انتظام الساعة البيولوجية للجسم، والتي تنظم دورات النوم والاستيقاظ، وإفراز الهرمونات، ومستوى الطاقة. في الاضطراب ثنائي القطب، يحدث خلل في هذا النظام الدقيق، مما يؤدي إلى اضطراب إيقاع النوم بشكل واضح حتى في الفترات التي يبدو فيها الشخص مستقرًا نسبيًا.

اضطراب الساعة البيولوجية

تشير الدراسات إلى أن الأشخاص المصابين بالاضطراب ثنائي القطب يعانون من خلل في الإيقاع اليومي، وهو ما يجعل النوم غير منتظم من حيث التوقيت والعمق. قد ينام الشخص في ساعات متأخرة جدًا أو يستيقظ مبكرًا دون شعور بالنعاس، مما يخلّ بتوازن الجسم النفسي والعصبي.

النوم خلال نوبات الهوس

أحد أبرز العلامات التحذيرية لنوبة الهوس هو التغير المفاجئ في نمط النوم. ففي هذه المرحلة، لا يشعر الشخص بالحاجة الطبيعية للنوم، رغم بقاء مستوى الطاقة مرتفعًا.

كيف يبدو النوم في نوبة الهوس؟

غالبًا ما ينام الشخص ساعات قليلة جدًا، وقد يكتفي بساعتين أو ثلاث دون أن يشعر بالإرهاق. هذا النقص في النوم لا يكون مزعجًا له، بل قد يشعر بأنه في أفضل حالاته، وهو ما يزيد من خطورة استمرار النوبة.

من أبرز ملامح النوم أثناء الهوس:

      • انخفاض شديد في الحاجة للنوم

      • صعوبة في الدخول في النوم رغم الإرهاق الجسدي

      • الاستيقاظ المبكر مع طاقة مفرطة

      • تجاهل إشارات التعب

النوم خلال نوبات الاكتئاب

على النقيض من الهوس، تتسم نوبات الاكتئاب بتغيرات مختلفة في النوم، قد تتمثل في زيادة مفرطة أو اضطراب شديد.

أنماط النوم الاكتئابي

قد يعاني بعض المرضى من الأرق وصعوبة الاستغراق في النوم، بينما يعاني آخرون من النوم لفترات طويلة دون شعور بالراحة. وفي كلتا الحالتين، يكون النوم غير مُجدد للطاقة.

تشمل التغيرات الشائعة:

      • صعوبة بدء النوم أو الاستمرار فيه

      • الاستيقاظ المبكر مع شعور بالضيق

      • نوم طويل مصحوب بإرهاق دائم

      • كوابيس متكررة أو نوم متقطع

النوم في النوبات المختلطة

تُعد اضطرابات النوم في النوبات المختلطة من أكثر الأنماط تعقيدًا، حيث يجتمع الأرق مع الشعور بالإجهاد النفسي الشديد.

سمات النوم في النوبات المختلطة

قد يشعر الشخص برغبة شديدة في النوم مع عجز عن تحقيقه، أو ينام لفترات قصيرة متقطعة مصحوبة بأفكار متسارعة وقلق داخلي.

من أبرز السمات:

      • أرق شديد مع إرهاق واضح

      • أفكار متسارعة تمنع الاسترخاء

      • نوم متقطع وغير عميق

      • قلق ليلي مستمر

اضطرابات النوم بين النوبات

حتى خارج النوبات الحادة، يعاني كثير من مرضى الاضطراب ثنائي القطب من اضطرابات مزمنة في النوم. هذه الاضطرابات قد لا تكون واضحة، لكنها تلعب دورًا كبيرًا في احتمالية الانتكاس.

النوم كعامل إنذار مبكر

أي تغير بسيط في نمط النوم—زيادة أو نقصًا—قد يكون مؤشرًا مبكرًا لعودة النوبة. لذلك يُنصح المرضى بمراقبة نومهم بدقة واعتباره إشارة تحذيرية لا يجب تجاهلها.

تأثير قلة النوم على مسار الاضطراب

قلة النوم لا تُعد نتيجة للاضطراب فقط، بل قد تكون سببًا مباشرًا في تحفيز النوبات، خاصة نوبات الهوس.

كيف تحفز قلة النوم النوبات؟

قلة النوم تؤثر على كيمياء الدماغ، وتزيد من إفراز بعض النواقل العصبية المرتبطة بالنشاط والاندفاع. هذا الخلل قد يؤدي إلى فقدان السيطرة على المزاج والدخول في نوبة هوس كاملة.

دور العلاج في تنظيم النوم

يُعد تنظيم النوم جزءًا أساسيًا من علاج الاضطراب ثنائي القطب، وليس مجرد عرض جانبي يتم التعامل معه بشكل منفصل.

الاستراتيجيات العلاجية الشائعة

يركز العلاج على إعادة ضبط الساعة البيولوجية، سواء من خلال الأدوية المثبتة للمزاج أو من خلال العلاج النفسي المخصص لتنظيم الإيقاع اليومي.

تشمل التدخلات الشائعة:

      • الالتزام بمواعيد نوم واستيقاظ ثابتة

      • تقليل التعرض للضوء في ساعات الليل

      • تجنب المنبهات قبل النوم

      • استخدام العلاج النفسي القائم على الإيقاع الاجتماعي

أهمية الوعي بنمط النوم

فهم العلاقة بين النوم والاضطراب ثنائي القطب يمنح المريض قدرة أكبر على التحكم في مسار المرض. مراقبة النوم وتسجيل التغيرات اليومية يمكن أن يساعد في التدخل المبكر ومنع تفاقم النوبات.

خلاصة

يؤثر الاضطراب الوجداني ثنائي القطب بشكل عميق على النوم ودوراته، سواء خلال النوبات أو في الفترات بينهما. اضطراب النوم ليس مجرد عرض جانبي، بل عنصر محوري في تطور المرض واستقراره. الحفاظ على نوم منتظم ومراقبة أي تغيرات فيه يُعد خطوة أساسية في الوقاية من الانتكاسات وتحقيق استقرار نفسي أطول مدى.

لا تعليق

اترك رد