التعامل مع شخص يعاني من اضطراب الشخصية الحدية (BPD) قد يكون تحديًا يوميًا مليئًا بالعواطف الشديدة، التقلبات، وردود الفعل الحادة. سواء كان هذا الشخص شريك حياة، أحد أفراد الأسرة، أو صديقًا مقربًا، فإن العلاقة به تتطلب فهمًا عميقًا للاضطراب، وصبرًا، وأدوات تواصل فعالة. في هذا المقال، نقدم دليلًا عمليًا ومبسطًا يساعدك على بناء علاقة أكثر استقرارًا وصحة مع من تحب.
أولًا: فهم اضطراب الشخصية الحدية
قبل أن نناقش طريقة التعامل، من المهم أن تعرف ما هو اضطراب الشخصية الحدية؟
اضطراب الشخصية الحدية هو اضطراب نفسي يتميز بـ:
-
-
-
تقلّبات عاطفية سريعة وشديدة
-
خوف مفرط من الهجر أو الرفض
-
اندفاعية (في العلاقات، المال، الأكل، السلوكيات)
-
نوبات من الغضب أو الفراغ أو القلق
-
صعوبات في العلاقات وعدم استقرار في صورة الذات
-
-
هذه الأعراض ليست مجرد “صفات شخصية”، بل ناتجة عن اضطراب عصبي وعاطفي حقيقي، وغالبًا ما يكون الشخص المصاب بها يُعاني بشدة أكثر مما يُظهر.
ثانيًا: لا تأخذ الأمور على محمل شخصي
من أهم القواعد في التعامل مع شخص مصاب بـBPD هي:
لا تأخذ ردود أفعاله على محمل شخصي.
فالشخص المصاب غالبًا ما يبالغ في ردة فعله بسبب:
-
-
-
حساسية شديدة للرفض (حتى لو كان غير مقصود)
-
خوف داخلي من التخلي
-
تأويل مواقف بسيطة على أنها تهديد
-
-
قد تسمع عبارات جارحة أو تشهد غضبًا مفاجئًا. في هذه اللحظات، تذكّر أن هذه الانفجارات نابعة من ألم داخلي وليس عدوانًا مقصودًا.
ثالثًا: كن صادقًا، لكن بلطف
الصدق ضروري في أي علاقة، لكن مع شخص مصاب باضطراب الشخصية الحدية، طريقة قولك للأشياء قد تكون أهم من محتواها.
-
-
-
بدلاً من: “أنت تبالغ دائمًا!”
جرب: “أفهم إنك متألم… هل نقدر نحاول نفهم المشاعر سوا؟” -
بدلاً من: “أنت السبب في كل المشاكل!”
جرب: “في حاجات بتأثر علينا، وخلينا نحاول نحلها سوا.”
-
-
النبرة، لغة الجسد، وتوقيت الكلام… كل هذه أمور تحدث فرقًا كبيرًا.
رابعًا: حافظ على حدود واضحة
الأشخاص المصابون بـBPD قد يواجهون صعوبة في احترام الحدود، سواء العاطفية أو الجسدية. لذلك من المهم:
-
-
-
وضع حدود واضحة ومحترمة من البداية
-
التمسك بهذه الحدود بهدوء وثبات
-
عدم الدخول في لعبة التهديدات أو الابتزاز العاطفي
-
-
مثلًا:
-
-
-
“أنا موجود ومهتم، بس ما أقدر أرد على 20 رسالة خلال ساعة.”
-
“أنا أحبك، لكن لما ترتفع الأصوات، هنسحب لحد ما نهدأ.”
-
-
خامسًا: لا تلعب دور المنقذ
قد يكون لديك رغبة في “إنقاذ” هذا الشخص أو “إصلاحه”، لكن هذا عبء ثقيل وغير صحي لك وله.
-
-
-
أنت لست معالجًا نفسيًا
-
لا يمكنك أن تتحكم في مشاعره أو قراراته
-
دورك هو الدعم، لا الحلول الكاملة
-
-
الشفاء مسؤولية الشخص نفسه، وأفضل ما يمكنك تقديمه هو الدعم الواعي، لا الحماية المطلقة.
سادسًا: شجّعه على العلاج
اضطراب الشخصية الحدية لا يُشفى تلقائيًا، لكنه يتحسن بشكل كبير مع العلاج، خصوصًا:
-
-
-
العلاج السلوكي الجدلي (DBT)
-
العلاج النفسي الفردي والداعم
-
أحيانًا الأدوية المساعدة تحت إشراف طبي
-
-
شجع الشخص على العلاج، لكن دون ضغط أو تهديد. شاركه قصص نجاح، أو اعرض أن ترافقه إن كان ذلك مناسبًا.
سابعًا: حافظ على نفسك
العلاقة مع شخص مصاب بـBPD يمكن أن تكون مرهقة عاطفيًا. لذلك لا تنسَ أن:
-
-
-
تعتني بصحتك النفسية
-
تضع وقتًا لنفسك وهواياتك
-
تتحدث مع معالج نفسي أو تنضم لمجموعة دعم
-
-
حبك لنفسك لا يتعارض مع حبك للآخرين.
ثامنًا: تعلّم عن الاضطراب باستمرار
المعرفة هي القوة. كلما فهمت أكثر عن BPD، كلما قلت المفاجآت وقلت ردود الفعل العاطفية منك.
اقرأ، شاهد فيديوهات توعوية، اسأل مختصين… وفكر في أن تتعلم بعض أدوات DBT أنت أيضًا، خصوصًا مهارات:
-
-
-
اليقظة الذهنية
-
تنظيم العواطف
-
التعامل مع الأزمات
-
-
تاسعًا: توقّع التقدم… والانتكاس
مسيرة التعافي ليست خطًا مستقيمًا. سيكون هناك:
-
-
-
أيام جيدة يشعر فيها الشخص بتحسن
-
انتكاسات مؤقتة أو تفجيرات عاطفية مفاجئة
-
-
لا تدع الانتكاسات تُحبطك أو تجعلك تتراجع عن دعمك.
عاشرًا: متى يجب طلب المساعدة الطارئة؟
إذا شعرت أن الشخص:
-
-
-
يُهدد بإيذاء نفسه أو الآخرين
-
يتصرف بشكل غير آمن أو متهور
-
فقد الاتصال بالواقع (هلاوس أو ضلالات)
-
-
فعندها يجب طلب المساعدة من مختصين فورًا. يمكنك التواصل مع الطوارئ النفسية أو إشراك الأسرة أو الجهات المعنية.
خاتمة
التعامل مع شخص مصاب باضطراب الشخصية الحدية يتطلب تفهمًا عميقًا، توازنًا بين الدعم والحدود، وصبرًا طويل النفس. لا توجد علاقة مثالية، لكن عندما تجمع بين الوعي، الرحمة، والاستمرارية، يصبح من الممكن بناء علاقة قوية وآمنة، حتى مع وجود تحديات هذا الاضطراب.
قد لا تكون قادرًا على “شفاء” من تحب، لكنك قادر على أن تكون مصدر دعم، فهم، وأمان حقيقي له في رحلة التعافي.

لا تعليق