الوسواس القهري الضلالي هو حالة نادرة ومعقدة من اضطراب الوسواس القهري، تتميز بفقدان المريض للوعي بكون أفكاره غير منطقية، ليتحول من شخص يعاني من أفكار مزعجة يعرف أنها غير عقلانية، إلى شخص مقتنع تمامًا بصحة هذه الأفكار، ويعتبرها “حقائق” لا تقبل النقاش أو الشك.

ما الفرق بين الوسواس القهري التقليدي والضلالي؟

في الوسواس القهري التقليدي، يُدرك المريض أن أفكاره قهرية وغير منطقية، لكنه يشعر بالعجز أمامها، وغالبًا ما يقول: “أعلم أن هذه الأفكار سخيفة، لكن لا أستطيع التوقف عنها”.

أما في الوسواس القهري الضلالي، فيتجاوز الأمر حدود الشك، ليقول المريض بثقة: “هذه ليست أفكارًا… هذه حقائق، وأنتم لا تفهمون مدى خطورتها”. وهنا تكمن خطورة الحالة.

أمثلة على الوسواس القهري الضلالي

      • شخص يعتقد أنه سينقل مرضًا قاتلًا إذا لم يغسل يديه عشرات المرات يوميًا، رغم عدم وجود أي دليل طبي على إصابته أو خطورة وضعه.

      • آخر يظن أن عليه أداء طقوس معينة قبل النوم وإلا سيقع مكروه لأحد أفراد أسرته.

      • مريضة تصر على إعادة الصلاة مرارًا وتكرارًا، مقتنعة بأنها أخطأت، رغم تأكيد المحيطين بها أنها أدتها بشكل سليم.

لماذا تُعتبر هذه الحالة صعبة؟

تكمن صعوبة الوسواس القهري الضلالي في أن المريض لا يرى نفسه كمريض أصلًا. لا يشعر بالحاجة إلى العلاج، بل يعتقد أن ما يفعله هو الصواب بعينه، وأن المشكلة تكمن فيمن حوله الذين لا يقدّرون “حقيقة” ما يعيشه.

هذا الإنكار يقف حاجزًا أمام العلاج، ويؤدي غالبًا إلى تدهور الحالة مع مرور الوقت إذا لم يتم التدخل بشكل مبكر ومحترف.

ما الفرق بين الوسواس القهري الضلالي والذهان؟

رغم أن الوسواس القهري الضلالي يتضمن أفكارًا ضلالية (Delusions)، إلا أنه يختلف عن الذهان بعدة نقاط، أهمها:

      • لا توجد عادة هلاوس سمعية أو بصرية كما في حالات الذهان.

      • الأفكار الضلالية في الوسواس القهري الضلالي تكون دائمًا مرتبطة بموضوعات وسواسية محددة، مثل التلوث، أو الطقوس الدينية، أو الترتيب والتنظيم.

كيف يتم العلاج؟

علاج الوسواس القهري الضلالي يتطلب خطة دقيقة يشرف عليها طبيب نفسي مختص، وتشمل:

      • العلاج الدوائي: باستخدام مضادات الاكتئاب من نوع SSRIs ومضادات الذهان.

      • العلاج المعرفي السلوكي (CBT): وقد لا يكون ممكنًا إلا في حال استعاد المريض جزئيًا وعيه النقدي بأفكاره.

      • تدخلات إضافية: في الحالات الشديدة، قد يُلجأ إلى جلسات التحفيز المغناطيسي للدماغ (TMS) أو التحفيز العميق (DBS).

الخاتمة

الوسواس القهري الضلالي هو صراع داخلي مرير يعيشه المريض دون وعي بحقيقة ما يعانيه. إنه اضطراب يتطلب قدرًا كبيرًا من الفهم، والتعاطف، والصبر، لا من المريض فحسب، بل من الأهل والمعالجين أيضًا.

المفتاح الحقيقي للتعافي هو التشخيص المبكر والتدخل العلاجي السليم، والذي يمكن أن يعيد المريض تدريجيًا إلى حياة أكثر توازنًا وسلامًا.

لا تعليق

اترك رد