الفرق بين اضطراب الشخصية الحدية واضطراب ثنائي القطب: تشابه الأعراض واختلاف الجذور

اضطراب الشخصية الحدية (BPD) واضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder) هما من أكثر الاضطرابات النفسية التي تُحدث ارتباكًا لدى المرضى وحتى لدى بعض الممارسين. فكلاهما يتسم بتقلّبات مزاجية حادة وسلوكيات قد تبدو متشابهة مثل الاندفاع، الاكتئاب، أو حتى نوبات الغضب والانفجار العاطفي. لكن الحقيقة أن الفرق بينهما عميق وجذري، سواء في الأسباب، الأعراض، التشخيص أو العلاج.

في هذا المقال، نوضح الفروق الجوهرية بين الاضطرابين، ونساعد القارئ على فهم كل منهما بشكل أدق، مما يسهم في رفع الوعي وتشجيع من يعاني على طلب المساعدة المناسبة.


أولًا: نظرة عامة على كل اضطراب

🔹 اضطراب الشخصية الحدية (BPD)

هو اضطراب في نمط الشخصية يتميز بـ:

      • مشاعر حادة ومتقلّبة جدًا خلال اليوم

      • خوف شديد من الهجر أو الفقد

      • علاقات غير مستقرة (إما مثالية أو كارثية)

      • سلوك اندفاعي (أكل، صرف، علاقات جنسية، إيذاء النفس)

      • صورة ذاتية مهزوزة ومتغيرة

      • مشاعر فراغ مستمرة

      • نوبات غضب شديدة وصعوبة في التحكم فيها

سبب الاضطراب غالبًا مرتبط بتجارب الطفولة (إهمال، صدمات، مشاكل في التعلّق العاطفي)، ويُعد اضطرابًا مزمنًا في الشخصية.


🔹 اضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder)

هو اضطراب في تنظيم المزاج يتمثل في نوبات متعاقبة من:

      • الهوس أو الهوس الخفيف (نشاط زائد، قلة نوم، شعور بالعظمة، اندفاع، حديث مفرط)

      • الاكتئاب (حزن شديد، فقدان طاقة، ضعف تركيز، أفكار انتحارية)

أنواعه الأساسية:

      • ثنائي القطب 1: نوبات هوس شديدة + نوبات اكتئاب

      • ثنائي القطب 2: نوبات هوس خفيف + نوبات اكتئاب

      • سريع التقلب: نوبات كثيرة خلال السنة

سبب الاضطراب بيولوجي عصبي أساسًا، مع وجود استعداد وراثي قوي.


ثانيًا: مقارنة بين الأعراض

العرض اضطراب الشخصية الحدية (BPD) اضطراب ثنائي القطب
تقلب المزاج ساعات أو لحظات (سريع التغير نتيجة موقف أو تفاعل) أيام إلى أسابيع (نوبات طويلة)
المحفّزات تفاعلات اجتماعية، مشاعر بالهجر، انتقادات، صدمات عاطفية قد تحدث بدون محفز واضح
العلاقات غير مستقرة، متقلبة بين التعلق الشديد والرفض العنيف تتأثر خلال النوبات فقط
الاندفاعية شائعة جدًا، خاصة في الأكل، الجنس، المال، إيذاء النفس تظهر في نوبة الهوس
نظرة الذات مهزوزة ومتقلبة، تتغير حسب الموقف أو العلاقة لا تتغير كثيرًا خارج النوبات
الأفكار الانتحارية شائعة جدًا، مزمنة أحيانًا تظهر في نوبات الاكتئاب فقط
نوبات الهوس غير موجودة (وإن وُجدت اندفاعية فهي عاطفية وليست هوسًا) موجودة بوضوح في ثنائي القطب
نوع العلاج علاج نفسي طويل (مثل DBT أو العلاج السلوكي المعرفي) دوائي أساسًا + علاج نفسي دعمِي

ثالثًا: كيف يختلف التشخيص؟

      • الطبيب النفسي هو الشخص الوحيد المؤهل للتفريق بين الحالتين.

      • التشخيص الدقيق يتطلب تاريخًا مفصلاً لحياة الشخص، وتتبّع لنمط الأعراض عبر الزمن.

      • غالبًا ما يُشخّص بعض المصابين بـBPD على أنهم Bipolar والعكس، لذا من المهم الانتباه للمدى الزمني للأعراض، ومتى تظهر، وما يحفزها.


رابعًا: لماذا يحدث الخلط بينهما؟

لأن هناك أعراضًا سطحية متشابهة، مثل:

      • المزاج المتقلب

      • الاندفاع

      • الغضب المفاجئ

      • محاولات الانتحار

لكن السبب الجذري مختلف تمامًا:

      • في BPD: التغيّرات العاطفية مرتبطة بالبيئة والعلاقات

      • في Bipolar: التغيّرات بيولوجية ودورية وتستمر لفترات أطول


خامسًا: ماذا عن العلاج؟

علاج اضطراب الشخصية الحدية:

      • العلاج النفسي هو الأساس (خاصة: العلاج السلوكي الجدلي DBT)

      • لا توجد أدوية مخصصة للاضطراب نفسه، لكن قد تُستخدم أدوية لعلاج أعراض مثل القلق أو الاكتئاب

      • يحتاج إلى التزام طويل وصبر

علاج اضطراب ثنائي القطب:

      • العلاج الدوائي هو الأساس (مثبتات المزاج مثل الليثيوم، وأدوية مضادة للذهان)

      • العلاج النفسي يُستخدم كمكمل لفهم الذات وتنظيم النوبات

      • يحتاج لمتابعة مستمرة لتجنب الانتكاسات


سادسًا: هل يمكن أن يصاب شخص بالاثنين معًا؟

نعم، يُحتمل أن يعاني بعض الأشخاص من اضطراب ثنائي القطب واضطراب الشخصية الحدية في الوقت نفسه، وهو ما يجعل التشخيص والعلاج أكثر تعقيدًا، ويتطلب خطة علاجية متعددة التخصصات ومراقبة دقيقة.


سابعًا: متى أطلب المساعدة؟

اطلب المساعدة النفسية إذا لاحظت:

      • تقلبات مزاجية غير مفهومة تؤثر على عملك أو علاقاتك

      • مشاعر حادة لا يمكنك السيطرة عليها

      • اندفاعية وسلوكيات خطرة

      • نوبات اكتئاب أو فرط نشاط تستمر لأيام

      • أفكار متكررة عن الانتحار أو إيذاء الذات

كلما تم التشخيص مبكرًا، كانت فرص التحسن أعلى.


خاتمة

اضطراب الشخصية الحدية واضطراب ثنائي القطب قد يبدوان متشابهين من الخارج، لكنهما يختلفان في العمق. فهم الفروق بينهما ليس مهمًا فقط للأطباء، بل للمصابين أنفسهم ولأسرهم، حتى يتجهوا للعلاج المناسب.

لا يعني التشخيص نهاية الطريق، بل هو بداية طريق الفهم والشفاء.

لا تعليق

اترك رد