التعامل مع الطفل الكسول أو غير المهتم بالدراسة: فهم الأسباب وتقديم الدعم المناسب

كثير من الآباء والأمهات يواجهون تحديات مع أطفالهم حين يتعلق الأمر بالدراسة. قد يُلاحظون أن الطفل لا يهتم بواجباته، يتكاسل عن المذاكرة، أو يُظهر لا مبالاة تجاه المدرسة. هذا السلوك قد يثير القلق ويثير تساؤلات مثل: “هل ابني كسول؟”، “لماذا لا يهتم بالدراسة؟”، “كيف أحمّسه من غير ما أضغط عليه؟”

الحقيقة أن ما نراه كـ “كسل” أو “إهمال” قد يكون في الواقع رسالة غير مباشرة من الطفل، تخبرنا عن مشكلات أعمق بحاجة للفهم والتعامل معها بلطف وذكاء.

أولًا: هل الطفل كسول فعلًا؟ أم أن هناك أسبابًا خلف السلوك؟

الكسل الظاهري قد يخفي خلفه أحد الأسباب التالية:

1. فقدان الدافع أو الحافز

إذا لم يجد الطفل سببًا واضحًا أو شخصيًا يجعله يهتم بالدراسة، فقد يشعر أن الأمر لا يهم، خصوصًا إذا كانت الدراسة تقدم له بطريقة تقليدية ومملة.

2. صعوبات تعليمية غير مكتشفة

قد يكون الطفل يُعاني من صعوبات في الفهم أو التركيز أو الذاكرة، لكن لا يستطيع التعبير عن ذلك. فيُفضّل أن يبدو “غير مهتم” بدلًا من الاعتراف بعدم القدرة.

3. القلق أو الضغط النفسي

الطفل الذي يشعر بأنه مُطالب دائمًا بأن يكون “الأول” أو أنه تحت ضغط دائم من الأهل، قد يتراجع عن المحاولة كطريقة للهروب من القلق أو الخوف من الفشل.

4. البيئة المحيطة

إذا كانت بيئة البيت غير مشجعة (كثير من التوتر أو الشاشات المفتوحة باستمرار أو غياب الروتين)، فمن الطبيعي أن يجد الطفل صعوبة في التركيز أو الالتزام.

5. عدم الاهتمام بالمحتوى

الطفل قد لا يجد في المحتوى الدراسي ما يُحفّز خياله أو يثير فضوله، خصوصًا إذا لم يُربط بما يحب أو بما يعيشه في حياته اليومية.

كيف نتعامل مع الطفل غير المهتم بالدراسة؟

1. تجنّب استخدام وصف “كسول” أو “فاشل”

هذه الأوصاف لا تحفّز الطفل، بل تكرّس شعوره بالعجز والدونية، وتدفعه لاعتناق صورة سلبية عن نفسه. بدلًا من ذلك، استخدم عبارات مثل:
– “شايف إنك مش متحمس تذاكر، تحب نحاول نفهم السبب سوا؟”
– “عارف إنك تقدر تعمل أكتر، وعاوز أساعدك توصل لقدراتك.”

2. استمع بصدق

بدلًا من إصدار الأحكام، اسأل الطفل بلطف:
– “إيه أكتر حاجة بتضايقك في المدرسة؟”
– “تحس إنك بتعرف تذاكر لوحدك؟ ولا بتتلخبط؟”
قد تُفاجأ بإجابات تكشف عن معاناة حقيقية خلف السلوك الظاهري.

3. اربط الدراسة باهتماماته

لو الطفل يحب الديناصورات، ادعمه في قراءة القصص المتعلقة بها. لو يحب التمثيل، شجّعه على تلخيص درس في شكل مشهد تمثيلي. كلما شعر الطفل أن ما يدرسه “يعني له شيئًا”، زاد حماسه.

4. استخدم أسلوب المشاركة بدلًا من الأوامر

بدلًا من قول: “اقعد ذاكر دلوقتي”، قل:
– “تحب نبدأ مع بعض ونقسم الوقت؟”
– “أنا حاعملك تحدي: نخلص الصفحة دي في 10 دقايق!”
إشراك الطفل في القرار يشعره بالسيطرة والانتماء.

5. اجعل للروتين قيمة

خصص وقتًا ثابتًا للمذاكرة، ووقتًا للراحة واللعب. وجود روتين متوازن يُقلل التوتر، ويساعد الطفل على توقع ما هو مطلوب منه دون مفاجآت أو صراعات متكررة.

6. كافئ الجهد لا النتيجة فقط

ركز على تحفيز الطفل عند المحاولة، وليس فقط عند النجاح. مثلًا:
– “أنا مبسوط إنك بدأت تذاكر حتى لو ما كملتش كل حاجة.”
– “شفتك بتحاول تراجع لوحدك، وده تطور كبير.”

7. قلّل المقارنة مع الآخرين

المقارنة تُحبط الطفل وتضعه في حالة دفاعية. شجّعه على التفوق على نفسه، لا على إخوته أو زملائه.

متى تحتاج لمساعدة مختص؟

إذا لاحظت أن الطفل:

      • يُظهر عزوفًا تامًا عن الدراسة رغم كل المحاولات

      • يعاني من قلق شديد أو اكتئاب أو تدني حاد في الثقة بالنفس

      • لديه أعراض تدل على اضطراب تعلم أو فرط حركة أو تشتت
        فمن المهم استشارة مختص نفسي أو تربوي لفهم الأسباب بشكل أعمق.

خاتمة: الطفل بحاجة إلى من يؤمن به، لا من يضغط عليه

الطفل الذي يبدو “كسولًا” في نظرنا، قد يكون طفلًا فاقدًا للدافع أو مُشتتًا أو قَلِقًا أو حتى ذكيًا لكنه لا يجد نفسه في النمط التعليمي التقليدي. دورنا كأهل ليس أن نحبطه، بل أن نقترب منه ونفهمه ونساعده على اكتشاف طريقه بطريقته، لا بطريقتنا.

فالتحفيز الحقيقي يبدأ من علاقة مليئة بالحب والثقة والاحترام، وليس من جدول صارم أو توبيخ متكرر.

لا تعليق

اترك رد